دعوة لهيكلة منظومة الدعم حتى لا نُورث الفقر
ولا يقتصر الهدف الأساسي لبرامج الدعم الاجتماعي على تقديم الدعم المالي للأفراد والأسر التي تواجه مخاطر اقتصادية أو اجتماعية مثل البطالة والفقر، بل هي مساعدات تهدف إلى توفير متطلبات الحياة الأساسية لتمكينهم من التقدم في المجتمع والتطور. قدراتهم حتى يتم القضاء عليهم من هذا النظام ولم يعودوا يستحقون الدعم. ويتم ذلك من خلال برامج متكاملة لا تتعلق بدعم السلع فقط، بل من خلال سلسلة متكاملة تعمل على توفير الخدمات التعليمية والصحية، وفرص العمل.
وهذا يتناقض مع نتائج برامج الدعم الاجتماعي في مصر. اعتمدت مصر على مدار سنوات طويلة على تقديم الدعم العيني للمواطنين، والذي تمثل في الدعم الغذائي من خلال البطاقات التموينية التي تشمل السلع الأساسية (الأرز، السكر، الزيت، المكرونة، الخضار، العدس، الفول). بالإضافة إلى الخبز المحلي.
والحقيقة أن هذه السلة الغذائية التي ظلت لعقود طويلة أساس النظام الغذائي للمصريين، تسبب مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسمنة وأمراض القلب وغيرها، وهذا يؤدي إلى زيادة الإنفاق على الصحة، وتأثيرها السلبي على سوق العمل، وغيرها من الأمور التي تؤثر بشكل عام على القطاع الصحي. الصحة العامة للمجتمع وإمكانياته وإنتاجه.
وبالإضافة إلى سوء التغذية الذي يفرضه الدعم الغذائي العيني، فإنه لا يصل أيضاً إلى مستحقيه بشكل كامل، نتيجة التخصيص الرأسي للدعم. وتحدد الحكومة قيمة الدعم في مشروع الموازنة السنوية، موزعاً على قطاعات مثل السلع والنقل والوقود وغيرها، ونتيجة لهذا التخصيص الرأسي للدعم يضيع ويتسرب عبر دوائر الفساد المحيطة به، والتي تتكاثر وتنمو حول برامج الدعم العيني بسبب توفر السلع الحكومية بأسعار مخفضة وسلع السوق الحرة، بحيث تباع الأولى بأسعار الأخيرة ولا تصل إلى المستفيدين.
مؤمن سليم يكتب المشروع الوطني للتنمية البشرية “البداية”
بالإضافة إلى ذلك، هناك تسرب للدعم لغير المستحقين، مثل دعم النقل، والذي يتم توجيهه مباشرة إلى هيئة النقل العام بالقاهرة الكبرى، وهيئة سكك حديد مصر، ومترو الأنفاق، مقابل فرق سعر قدره أقل من التكلفة الحقيقية، وهذا يعني أن غالبية المستحقين للدعم والذين يعيشون في الدلتا والصعيد والمحافظات الحدودية لا يستفيدون من هذا الدعم، رغم أنهم يتمتعون به نظريا.
وأخيرا، فإن التشوهات السعرية وارتباك السوق الناتج عن وجود سعرين لنفس السلعة أو الخدمة لا يعزز عمليات التنمية أو يشجع الاستثمارات، كما أنه لا يحافظ على السوق بشكل عام، وهو ما رأيناه خلال الأزمات الاقتصادية التي كانت يرافقه اختفاء بعض السلع وتخزينها واحتكار الإنتاج.
نظام الدعم العيني بشكله التقليدي يخلق الفقر ويزيد معدلاته ويعرقل عمليات التنمية وينتشر حوله الفساد في كافة مراحله. الحديث هنا ليس عن حق المواطنين الذين يستحقون الدعم في الحصول عليه، لأن ذلك هو حقهم الدستوري والمجتمعي، وليس منحة أو تفضيل من أحد، ولكن الحديث عن التكافل الاجتماعي بشكل عام، وكيفية تصميمه الاجتماعي دعم البرامج التي تصل إلى مستحقيها، وتحقق أهدافها في إعطاء المواطن مزيداً من الاختيارات والحرية في الاستهلاك تمكنه من تحديد احتياجاته وإخراجه من دائرة الفقر. ولا سبيل لتحقيق هذه الأهداف إلا من خلال إنشاء وتصميم برامج الدعم الاجتماعي التي تعمل من خلال… آلية الدعم النقدي توفر لصاحبها حرية الاستهلاك، فضلا عن زيادة الاستثمارات وفرص العمل، وتعزيز المنافسة، من خلال زيادة الطلب نتيجة توقف السلع الحكومية (منخفضة الجودة).
رغم نجاح التجارب العالمية التي اعتمدت آلية الدعم النقدي، مثل برنامج بولسا فاميليا في البرازيل، وبرنامج بروسابيرا في المكسيك، إلا أن كلاهما يشبه برنامج تكافل من حيث أنهما برامج مشروطة، بالإضافة إلى التجارب كينيا والهند وفنلندا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية (TANF).
ورغم تحولنا إلى آلية الدعم (شبه العيني) منذ سنوات، حيث أن حصة الفرد تحدد بمبلغ مالي وليس بكميات السلع، إلا أن لدينا مخاوف وعقبات وتساؤلات تتعلق بمعيار تحديد (الدعم) المستحق)، آلية تحديد قيمة الدعم أو مقداره، وما إذا كان مبلغ الدعم متساويا. لجميع الأفراد المؤهلين أم سيختلف حسب ظروف كل فرد واحتياجاته ومن سيجمع قيمة الدعم المخصص للأبناء الأب أو الأم، خاصة في ظل حالات الخلاف أو الانفصال ما مصير شركات إنتاج السلع الحكومية وما هي البنوك التي سيتم الصرف لها الدعم من خلاله كيفية اختياره كيف سيتم تعزيز مراقبة السوق والمنافسة وحماية المستهلك في ظل الزيادة المتوقعة في الطلب
مؤمن سليم يكتب تسمين الشركات الناشئة
ومن الناحية التشريعية أيضا نرى أهمية توحيد برامج الدعم تحت قانون التضامن الاجتماعي، مع إصلاح الجهات الإدارية بحيث يتم دمج وزارتي التموين والعمل تحت وزارة التضامن الاجتماعي، وتحديد الجهة الإدارية المعنية بالتضامن الاجتماعي. إدارة ملف الدعم النقدي وكيفية إدارته وطرق التظلم من قراراته مع ضرورة إصلاح المالية العامة. وذلك من خلال معالجة بنود الموازنة بحيث لا يكون الدعم النقدي بديلاً للسلع فحسب، بل شاملاً للخدمات، وهو ما نأمل أن نحققه مع بدء تنفيذ موازنة البرامج والأداء.
إن التكافل الاجتماعي هو أحد الركائز الأساسية للعقد الاجتماعي، وهو ما يفرض علينا الصبر، فنحن في طور إعادة هيكلة منظومة الدعم الاجتماعي، والدخول معاً في حوار مجتمعي يشمل المواطنين أنفسهم، وليس فقط أهاليهم. النواب، وهو ما يمكن أن يفعله الحوار الوطني من خلال الجلسات التي يطلقها ويعقدها. في مختلف المحافظات ليشمل كافة القطاعات الجغرافية بهدف الوصول إلى برنامج دعم اجتماعي مقبول فنيا وقابل للتطبيق عمليا ويحظى برضا شعبي نسبي.